اسليـمي: هذه هي الرسائل التوجيهية لخطاب المٓلك للإنتقال من نموذج تنموي قديم إلى نموذج حديث وجديد

بقلم : عبدالرحيم المنار اسليمي ،استاذ العلوم السياسية ،جامعة محمد الخامس بالرباط .

يبدو أن الخطاب الملكي في الذكرى السادسة والستين لثورة الملك والشعب كامتداد لخطاب العرش ليوليوز الماضي،إذ أنه يتضمن العناصر التوجيهية للمضمون والشكل والطريقة التي يجب أن يحدث بها الانتقال داخل الدولة من نموذج تنموي قديم إلى نموذج تنموي جديد، لذلك يحمل الخطاب الملكي الرسائل التوجيهية التالية :

أولا، رسالة إلى اللجنة الخاصة القادمة التي ستعمل على إعداد النموذج التنموي بكون الأمر يتعلق بعقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع ،عقد اجتماعي يعيد بناء اطار جديد للعلاقات بين المجتمع والدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فالمغرب وضع في سنة 2011عقدا سياسيا يتمثل في وثيقة دستور 2011 ويحتاج اليوم إلى عقد اجتماعي يكون تعبير عن رغبة جماعية وتجسيد لإرادة جماعية في الانتقال من نموذج تنموي إلى نموذج جديد ،

ثانيا ،أنه يجب على هذه اللجنة الخاصة القادمة أن تشتغل بمنهجية التقويم والتوقع والاستشراف،فالأمر يتعلق بتقييم للنموذج القديم بنقط قوته وضعفه وفرص استثمار القوي فيه والحد من مخاطر الضعف فيه ، ثم توقع ماهو قادم واستشراف المستقبل، فاللجنة القادمة مطالبة بالتوقع والتموضع في المستقبل، وهي دعوة إلى ممارسة تفكير استراتيجي كبير في المستقبل انطلاقا من الوضع الموجود في الحاضر،

ثالثا،أن هذه اللجنة مطالبة بجمع ادوات الدولة الاجتماعية و ادوات الدولة الليبرالية وأحداث توازن بينهما داخل الدولة التنموية التي سيشرع المغرب في إعادة بنائها بأسس جديدة ،فالمغرب لحد الان لازالت لديه صعوبات في خلق توازن بين ادوات الدولة الاجتماعية وأدوات الدولة الليبرالية، وقد يكون هذا هو السبب في ظهور بعض الاختلالات وعدم انعكاس نتائج النمو على كل المغاربة ،

رابعا، يشير الخطاب الملكي إلى العالم القروي وضواحي المدن ،فالنموذج التنموي القديم ركز على المدن الكبرى بشكل كبير ،والخطاب الملكي هو دعوة للجنة قادمة وحكومة قادمة بعد التعديل إلى بناء نموذج تنموي يمتد إلى القرى والمدن الصغيرة لتقليص التفاوتات المجالية،

خامسا، يدعو الملك في خطابه اللجنة القادمة لاعداد النموذج التنموي إلى العمل بمقاربة تشاركية تشمل جميع الاطراف،الشيء الذي يجعلنا مقبلين على أكبر عملية تشاورية وتعبوية واسعة شبيهة بالعمل الذي قامت به لجنة الدستور في 2011، عمل تعبوي لبناء ماتحت الدستور والخروج بنموذج تنموي ينقل إطار الدولة والمجتمع إلى علاقات اجتماعية واقتصادية جديدة .

سادسا ،ينبه الملك الحكومة إلى الطبقة الوسطى ، وهي الطبقة الاجتماعية التي تحافظ على توازن المجتمع واستقراره،وقد كانت هناك نقاشات كثيرة في السنوات حول التحولات التي تعيشها هذه الطبقة في المغرب ،فالأمر هنا تنبيه للحكومة بضرورة العمل على توسيع حجم هذه الطبقة الذي سيكون مرتبطا بالسياسات العمومية الحكومية مباشرة .

سابعا، يدعو الخطاب الملكي الحكومة إلى تجاوز الخلل الرئيسي الموجود في العلاقة بين المركز والجهات، فرغم أن الحكومة والبرلمان وضعا كل النصوص المرتبطة بالجهوية كفلسفة في التنظيم والجهة كوحدة ترابية فإن العمل لازال مركزيا في الرباط والنخب لازالت ذات طبيعة وطنية ،لذلك يدعو الملك في خطابه الحكومة إلى تجاوز هذا الخلل،وفي الأمر أيضا توجيه للجنة القادمة إلى قلب المعادلة والانطلاق من المحلي الترابي الجهوي نحو الوطني في عملية صياغة النموذج التنموي .

وبذلك ،نلاحظ أن الملك هو من بادر إلى إطلاق مبادرة بناء عقد اجتماعي جديد بعد أن كانت الأحزاب السياسية في الثمانينيات والتسعينات هي التي تدعو إلى عقد اجتماعي جديد ، وأن الملك بصفته رئيس الدولة ينبه الحكومة إلى خلل مرتبط بوظائف الحكومة والوحدات الترابية .

فالملك يعلن في هذا الخطاب عن إعادة بناء الدولة التنموية بعقد اجتماعي جديد ومشروع جديد يتمثل في النموذج التنموي لأحداث انتقال آخر في علاقة الدولة بالمجتمع،ويبدو أن الأمر فيه استعجال يجب أن يلتقطه رئيس الحكومة و الأغلبية الحكومية لتقديم مقترحات التعديل القادم مع ظهور اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي .

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد